العدد العاشر

العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين: الضغط والتحديات الاقتصادية

شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تقلبات كبيرة، إذ فرضت واشنطن سياسة التعريفات الجمركية على بكين بهدف تقليص العجز التجاري معها، وتحقيق ما سمّته “العدالة الاقتصادية” في التجارة العالمية. وقد اعتبر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هذه التعريفات وسيلة رئيسة للضغط على الصين، الأمر الذي انعكس بشكل ملحوظ على الأسواق العالمية وأدى إلى تغييرات جذرية في تدفّق السلع بين البلدين.

الضغط الاقتصادي والتجاري

شكّلت التعريفات الجمركية أداة رئيسة في السياسة الأميركية ضد الصين، حيث أثرت على العديد من السلع الصينية ورفعت تكاليفها في السوق الأميركية. ولم تقتصر واشنطن على ذلك، بل فرضت أيضًا عقوبات اقتصادية على الشركات الصينية المتهمة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية أو بالتجسس الصناعي. وبالتوازي مع هذه الإجراءات، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز شراكاتها مع حلفائها التجاريين، مثل الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة ضد الصين وزيادة الضغط عليها في الأسواق العالمية.

ومن الأدوات الأخرى القيود على الاستثمار والتكنولوجيا؛ فقد منعت واشنطن الشركات الصينية من الوصول إلى التقنيات المتقدمة، مثل شبكات الجيل الخامس (5G) وتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما فُرضت قيود على الاستثمارات الصينية في القطاعات الاستراتيجية داخل أميركا، ما أدى إلى تراجع حضورها في بعض الصناعات الحساسة.

الضغط عبر حقوق الإنسان والصراعات السياسية

لم يقتصر الضغط الأميركي على الجانب الاقتصادي، بل امتدّ ليشمل الملفات السياسية وحقوق الإنسان. فقد اتهمت واشنطن بكين بانتهاكات واسعة ضد الأقلية الأويغورية في إقليم شينجيانغ، وكذلك بالتضييق على الحريات في هونغ كونغ، وفرضت على إثر ذلك عقوبات على مسؤولين صينيين متورطين في هذه الانتهاكات. وقد أثرت هذه الخطوات على صورة الصين في الساحة الدولية، ومنحت الولايات المتحدة أوراقًا إضافية للضغط على بكين.

التنافس التكنولوجي والجيوسياسي

في مجال التكنولوجيا، واصلت الولايات المتحدة مواجهة الطموح الصيني للهيمنة. فقد حظرت على شركات كبرى، مثل “هواوي”، الوصول إلى التقنيات الأميركية المتقدمة، ما فاقم التوترات بين البلدين. وفي السياق نفسه، لجأت واشنطن إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة المحيط الهادئ، ولا سيما في بحر الصين الجنوبي ومحيط تايوان، بما يعكس حجم التنافس الجيوسياسي المحتدم بينهما.

أسواق الطاقة والنفوذ الإقليمي

في مجال الطاقة، شكّلت العلاقة مع روسيا محورًا مهمًا في الضغوط الأميركية على الصين، إذ واصلت بكين شراء النفط الروسي لتقليل اعتمادها على الواردات الأميركية. وفي المقابل، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز شراكاتها مع دول مثل الهند ودول جنوب شرق آسيا، من خلال الاستثمارات في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وذلك لمنافسة المبادرات الصينية، وعلى رأسها “الحزام والطريق”.

الضغط الأميركي على الصين: أدوات متعددة الأبعاد

يبقى الضغط الأميركي على الصين معقدًا ومتعدد الأبعاد؛ فهو يجمع بين الأدوات الاقتصادية كالتعريفات الجمركية والعقوبات والقيود التكنولوجية، وبين الأدوات السياسية كملف حقوق الإنسان، فضلًا عن الأدوات العسكرية المتمثلة في توسيع النفوذ في منطقة المحيط الهادئ. وفي المقابل، تعمل الصين على التكيّف مع هذه الضغوط عبر تعزيز تعاونها مع شركاء دوليين آخرين، والبحث عن بدائل تقلل اعتمادها على الاقتصاد الأميركي.

الأسئلة المطروحة

تبقى أسئلة جوهرية تفرض نفسها: كيف ستتفاعل الصين مع هذا الضغط المتزايد؟ وهل ستتمكن من الصمود أمام هذه السياسات الأميركية المتشددة؟ في نهاية المطاف، يعكس الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين حجم التحديات التي يواجهها النظام التجاري العالمي في القرن الحادي والعشرين.

أدوات الضغط الأميركية على التجارة الصينية

إن أدوات الضغط التي تمارسها الولايات المتحدة على الصين متعددة الأبعاد ومتنامية في مجالات عدة. واستنادًا إلى السياسات التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والمواقف الحالية للإدارة الأميركية، فمن المرجح أن تتواصل هذه الضغوط أو تتصاعد في محاور أساسية:

١- فرض التعريفات الجمركية

تُعَدّ التعريفات الجمركية أبرز أدوات الضغط التي استخدمتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. فقد استهدفت هذه السياسة العديد من السلع الصينية، ما جعل المنتجات الصينية أعلى كلفة في الأسواق الأميركية، وزاد من تكاليف الاستيراد. وبالمقابل، تضررت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين أيضًا، الأمر الذي عمّق التوترات التجارية بين الجانبين.

الضغط تمثل في زيادة التعريفات الجمركية على مجموعة أكبر من السلع الصينية، لا سيما في القطاعات الحساسة مثل التكنولوجيا، السيارات، والمنتجات الإلكترونية. وفي المقابل، غالبًا ما ترد بكين بفرض تعريفات على السلع الأميركية، مما يؤدي إلى آثار اقتصادية متبادلة.

٢- القيود على الاستثمار والتكنولوجيا

شكّلت القيود على الاستثمار والتكنولوجيا أداة فعّالة أخرى في الضغط الأميركي على الصين، خاصة في القطاعات الاستراتيجية التكنولوجية الحساسة مثل الذكاء الاصطناعي، شبكات الجيل الخامس (5G)، الطاقة المتجددة، والأمن السيبراني.

وقد تجسّد هذا الضغط في منع شركات التكنولوجيا الصينية، وعلى رأسها “هواوي”، من دخول السوق الأميركية، إضافة إلى حظر بيع التقنيات الأميركية لشركات صينية محددة. كما تقلّص حجم الاستثمارات الصينية في أسواق الأسهم الأميركية، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية مثل تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي.

٣- العقوبات الاقتصادية

تلجأ الولايات المتحدة أيضًا إلى فرض عقوبات اقتصادية على الشركات الصينية أو حتى على الحكومة الصينية نفسها عند الكشف عن انتهاكات لحقوق الإنسان أو انتهاك المعاهدات التجارية.

وقد شملت هذه العقوبات شركات متورطة في أنشطة غير قانونية ومتهمة بالتجسس الصناعي أو بانتهاك حقوق الملكية الفكرية. كما قد تتصاعد العقوبات لتطال مسؤولين حكوميين صينيين في حال استمرار السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان في هونغ كونغ، فضلًا عن الملفات المرتبطة بتايوان.

٤- تعزيز الشراكات مع الحلفاء

تسعى الولايات المتحدة كذلك إلى تعزيز علاقاتها مع حلفائها التجاريين التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، عبر اتفاقيات تجارية جديدة تهدف إلى محاصرة الصين اقتصاديًا وزيادة الضغط عليها في الأسواق العالمية.

ويتمثل هذا الضغط في تحفيز الحلفاء على تبنّي سياسات مشابهة، كفرض تعريفات جمركية أو عقوبات ضد الصين، فضلًا عن حثّ الدول على تقليص التعاون التجاري مع بكين في القطاعات التي تشكل تهديدًا الأمن القومي، وعلى رأسها البنية التحتية التكنولوجية.

٥- السياسة النقدية والمساعدات المالية

إحدى الأدوات الأخرى التي قد تلجأ إليها الولايات المتحدة تتمثل في السياسات النقدية، مثل الضغط على البنك الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، بهدف التأثير في تدفق الاستثمارات الصينية إلى السوق الأميركية.

ويتمثل الضغط هنا في سحب الاستثمارات الأميركية من السوق الصينية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع تدفق رأس المال إلى الصين. علاوة على ذلك، قد تحفّز الولايات المتحدة التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة أو إلى تكنولوجيا بديلة، ما يقلل من اعتماد الصين على الصناعات التقليدية الملوِّثة.

٦- الضغط في المؤسسات الدولية

قد تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام المنظمات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية (WTO) وصندوق النقد (IMF)، كأدوات ضغط على الصين.

ويأخذ هذا الضغط شكل التشكيك في السياسات الصينية داخل هذه المؤسسات، من خلال رفع قضايا ضد بكين بشأن ممارساتها التجارية، مثل الدعم الحكومي المفرط للصناعات أو انتهاك حقوق الملكية الفكرية. كما تحاول واشنطن دفع الصين إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية عبر الاتفاقيات التجارية الدولية.

٧- حرب المعلومات والتأثير الإعلامي

تُعَدّ حرب المعلومات إحدى الوسائل الناعمة التي قد تستخدمها الولايات المتحدة للضغط على الصين، عبر التأثير في الرأي العام العالمي ضد سياساتها.

ويتجسد هذا الضغط في نشر تقارير ومعلومات عن الممارسات التجارية الصينية التي تتعارض مع المعايير الدولية، مثل سرقة الملكية الفكرية أو التلاعب بالعملات. كما قد تعمل واشنطن على التأثير في توجهات الشركات العالمية لحثها على مقاطعة السوق الصينية، أو توجيه استثماراتها نحو أسواق بديلة.

إذًا، تتعدد أدوات الضغط الأميركي على الصين في مجالات عدّة: اقتصادية، وتكنولوجية، وسياسية. وتواصل الولايات المتحدة فرض ضغوط شديدة على بكين عبر حزمة واسعة من السياسات تشمل التعريفات الجمركية، والعقوبات الاقتصادية، والقيود التكنولوجية، فضلًا عن تعزيز التحالفات العسكرية. ومع تصاعد التوتر بين الطرفين، يبقى السؤال مفتوحًا: كيف ستنعكس هذه الضغوط على الصين مستقبلًا؟ وما الاستراتيجيات التي قد تعتمدها بكين لمواجهة هذا التصعيد المتزايد؟

٨- الضغط على الصين في أسواق العملات

تلجأ الولايات المتحدة أيضًا إلى الضغط على سياسة الصين النقدية، ولا سيما فيما يتعلق بتعاملها مع عملتها الوطنية (اليوان). فكثيرًا ما اتهمت واشنطن بكين بالتلاعب بالعملة لدعم صادراتها بشكل غير عادل، ما يضر بالاقتصادات الأخرى.

وتشمل أدوات الضغط مراجعة السياسات المالية الصينية في صندوق النقد الدولي (IMF)، حيث تُوجَّه اتهامات للصين بشأن التلاعب في اليوان لتعزيز قوتها الاقتصادية. كما يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات على البنوك الصينية في حال ثبوت مشاركتها في أنشطة مالية تؤثر سلبًا على التوازن التجاري العالمي.

٩- الضغط على ملف حقوق الإنسان والممارسات الاجتماعية

تُعتبر قضايا حقوق الإنسان من أبرز أوراق الضغط التي تستخدمها الولايات المتحدة ضد الصين. وتشمل هذه القضايا اضطهاد الأويغور في إقليم شينجيانغ، وقمع الحريات في هونغ كونغ، إضافة إلى السيطرة الصارمة على الفضاء الإلكتروني.

ومن أدوات الضغط هنا فرض عقوبات على المسؤولين الصينيين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، ولا سيما في شينجيانغ. كما قد تُمارس واشنطن ضغوطًا إضافية على الشركات الأميركية التي تواصل التعامل مع نظيراتها الصينية المتورطة في هذه الانتهاكات.

١٠- الضغط عبر التعليم والتكنولوجيا


تُشكّل التكنولوجيا والتعليم نقطة محورية في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، حيث يمكن لواشنطن استخدامهما كوسيلة للضغط على بكين. ومن أبرز الأدوات في هذا المجال حظر بيع التقنيات المتقدمة للصين، مثل الشرائح الإلكترونية والتكنولوجيا الحيوية للأمن القومي الأميركي. كما قد تلجأ الولايات المتحدة إلى تقليص التعاون الأكاديمي بين الجامعات الأميركية والصينية، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والهندسة، لمنع الصين من الاستفادة من التقدم العلمي الأميركي في هذه الميادين الحساسة.

١١- استخدام الضغط العسكري في المحيط الهادئ


من الأدوات الأخرى التي قد تعتمدها الولايات المتحدة لزيادة الضغط على الصين تعزيز وجودها العسكري في منطقة المحيط الهادئ، ولا سيما في ظل التوترات المستمرة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي. وتسعى واشنطن إلى توطيد تحالفاتها العسكرية مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة. إضافة إلى ذلك، تعمل على تكثيف وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي لمعارضة النزاعات البحرية التي تفرضها الصين هناك.

١٢- تعزيز التنافس التكنولوجي في الفضاء


قد تستغل الولايات المتحدة المنافسة في الفضاء كأداة للضغط على الصين، خصوصًا أن الأخيرة تسعى إلى تعزيز نفوذها في هذا المجال، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا لأمنها القومي. ومن هنا يأتي تعزيز الابتكار الأميركي في قطاع الفضاء عبر برامج مثل NASA وSpace Force  بوصفه خطوة لمواجهة الطموحات الصينية. إلى جانب ذلك، يمكن فرض حظر على نقل تكنولوجيا الفضاء التي قد تُستخدم لأغراض عسكرية من قبل الصين، سواء في المواجهات الفضائية أو في الأمن السيبراني، وذلك لتقليص قدرتها على توظيف الفضاء في صراعاتها العسكرية.

١٣- تشجيع مقاومة الشركات الأميركية للاستثمار في الصين


قد تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على الشركات الأميركية الكبرى التي تفكر في الاستثمار أو التعاون مع الصين في مشروعات معينة. على سبيل المثال، يمكن حث هذه الشركات على تقليص تعاملاتها مع الصين في القطاعات الحساسة مثل التصنيع، الإنتاج، وتكنولوجيا المعلومات. ويأتي هذا التوجه في إطار مساعي واشنطن لدفع الشركات نحو الاستثمار في أسواق بديلة كالهند ودول جنوب شرق آسيا، بدلًا من الارتهان للسوق الصينية.

١٤- التأثير على الاستثمارات الصينية في إفريقيا وآسيا


في سياق موازٍ، قد تسعى الولايات المتحدة إلى تقويض نفوذ الصين في مناطق استراتيجية مثل إفريقيا وجنوب شرق آسيا عبر التأثير على استثماراتها هناك. ومن خلال الدبلوماسية الاقتصادية، يمكن لواشنطن العمل على عرقلة توسع الصين عبر مشروعات البنية التحتية الممولة في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. وتشمل هذه الجهود زيادة الاستثمارات الأميركية في مشروعات البنية التحتية العالمية لمنافسة النفوذ الصيني، إلى جانب تشجيع الدول النامية على تقليص تعاونها مع بكين من خلال توفير بدائل تمويلية ميسّرة ومشروعات أكثر شفافية.

التحديات المستقبلية

يتزايد الضغط الأميركي على الصين، متخذًا أشكالًا متعددة تشمل أدوات اقتصادية وعسكرية وسياسية وتكنولوجية. وفي ظل استمرار التنافس بين البلدين في مجالات التجارة والتكنولوجيا، يسعى كل طرف إلى تعزيز موقعه في مواجهة التحديات المستجدة على الساحة العالمية. فالولايات المتحدة تلجأ إلى التعريفات الجمركية، والعقوبات الاقتصادية، والقيود التكنولوجية، والضغط في ملفات حقوق الإنسان، إضافة إلى الوجود العسكري والتحالفات الدولية، لممارسة ضغوطها على الصين في أكثر من جبهة.

وعلى الرغم من هذه الضغوط، تعمل بكين على تقليص تأثيرها عبر تطوير استراتيجيات بديلة، منها تعزيز علاقاتها مع دول أخرى لتقليل الاعتماد على الاقتصاد الأميركي. وتسعى الصين في الوقت نفسه إلى تنويع شراكاتها الدولية وبناء بدائل اقتصادية قادرة على تخفيف حدّة القيود الأميركية. وهنا يبرز السؤال: هل ستتمكن الصين فعلًا من الصمود أمام هذه السياسات المتصاعدة؟ وكيف ستنعكس هذه التوترات على النظام التجاري العالمي مستقبلًا؟

إنّ الضغوط الأميركية تبقى معقّدة ومتعددة الأبعاد؛ فهي لا تقتصر على المجال الاقتصادي، بل تمتد إلى الميادين العسكرية والسياسية، إضافةً إلى التكنولوجيا. ومع استمرار تصاعد التوتر بين البلدين، سيواصل كل طرف استخدام أدواته المختلفة لتأمين مصالحه. ومن جانبها، تسعى الصين إلى التكيّف مع هذه الضغوط عبر البحث عن بدائل اقتصادية وتعزيز شراكات جديدة، في حين تواصل الولايات المتحدة فرض سياساتها بهدف تعديل سلوك بكين على الساحة الدولية.

ومن جانبها، تحاول الصين التكيّف مع هذا الواقع من خلال تعزيز تعاونها مع شركاء استراتيجيين مثل روسيا ودول جنوب شرق آسيا، فضلًا عن التوسع في استثماراتها ضمن مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف إلى ترسيخ نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي عالميًا. كما تركز بكين على تطوير قدراتها لتنمية التقنيات المحلية لمواجهة القيود المفروضة على وصولها إلى التقنيات الأميركية، في محاولة لتحويل التحديات إلى فرص من خلال الاستثمار في البحث والتطوير وتعزيز الصناعات التكنولوجية المحلية.

إن استمرار هذا الضغط المتبادل سيؤدي حتمًا إلى حالة من التوتر المستمر بين واشنطن وبكين، وهو ما سينعكس بدوره على استقرار النظام التجاري العالمي في القرن الحادي والعشرين. وعلى المدى الطويل، قد تفرض هذه المواجهة البحث عن حلول وسط أو تسويات دبلوماسية تسهم في تهدئة الصراع، أو على الأقل الحد من حدّته. ومع ذلك، تبقى الأسئلة مفتوحة: كيف ستتصرف العاصمتان في السنوات المقبلة؟ وهل ستظهر استراتيجيات جديدة من كلا الطرفين للحد من آثار هذه السياسات، أم أن التوترات ستظل في حالة تصاعد تؤدي إلى تحولات جذرية في هيكل الاقتصاد العالمي؟

هل ستتمكن الصين من الصمود أمام هذا الضغط؟ وهل ستكون الولايات المتحدة قادرة على تحقيق أهدافها في ظل هذه التحديات المتزايدة؟ هذه الأسئلة تظل مفتوحة مع مرور الوقت، ولكن الصراع الاقتصادي والتجاري بين هاتين القوى العظمى يشير إلى تحول كبير في الاقتصاد العالمي في العقود القادمة.

د. خالد العزي

أستاذ في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى