العدد الثاني عشر

ما الذي يأتي بعد محور المقاومة؟

القوة المستمرة للطائفية في الشرق الأوسط

أبرز ما ورد من مقال مترجم عن موقع Foreign Affairs  

ماريا فانتابييه تشغل منصب رئيسة برنامج البحر المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا في معهد الشؤون الدولية في روما.

فالي نصر أستاذ بجامعة جونز هوبكنز، وهو مؤلف كتاب الاستراتيجية الكبرى لإيران: تاريخ سياسي.

تحرير: شادي منصور

أصبح من المسلّم به على نطاق واسع أن الضربات التي شنّتها إسرائيل والولايات المتحدة على إيران هذا العام، وتفكك حلفاء طهران وميليشياتها الوكيلة في غزة ولبنان وسوريا، قد قيّدت بشكل حاسم نفوذ إيران في الشرق الأوسط. غير أن هذا التصور يسيء فهم طبيعة ما يُسمّى «محور المقاومة» وكذلك القدرة المحتملة لطهران على إعادة تشكيله.

بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، استفادت إيران من حالة الاضطراب لبناء شبكة أيديولوجية عابرة للحدود من مجتمعات وحكومات وميليشيات شيعية تمتد من إيران إلى العراق ولبنان واليمن والأراضي الفلسطينية.

ومن الناحية العسكرية، يبدو هذا المحور اليوم في حالة تفكك. فالمهندسون الإيرانيون له يتقدمون في السن، وشركاؤهم في العالم العربي تعرضوا لدمار كبير بفعل الضربات الإسرائيلية. كما أن التقارب الحذر خلال العامين الماضيين بين إيران والسعودية اللتين كانت خصومتهما سابقًا محرّكًا للصراع الطائفي في المنطقة أسهم بدوره في ترسيخ الانطباع بأن المعركة الطائفية في الشرق الأوسط قد انتهت.

لكن حتى لو كان الستار يُسدل على محور المقاومة، فإن الهوية السياسية والدينية الشيعية لا تزال قائمة. على الرغم من أن شبكة الوكلاء الإيرانية ساعدت طهران على الحفاظ على نفوذ يفوق حجمها في العالم العربي، فإن صمود هذا المحور استند أيضًا إلى القوة الدائمة للإيمان وروابط المجتمع والعائلة. ما الذي ينتظر شيعة المنطقة في المرحلة المقبلة هو سؤال يخيّم بثقله على الجهود التي تبذلها دول الخليج العربية والولايات المتحدة لإحلال الاستقرار في الشرق الأوسط بعد الحرب المدمّرة بين إسرائيل وحماس. ولذلك، يتعين على هؤلاء الساعين إلى السلام أن يولوا اهتمامًا أكبر بكثير لإدماج شيعة المنطقة، داخل إيران وخارجها، في تصورهم للنظام الإقليمي.

إن الخطة الحالية لنزع سلاح حزب الله من دون إنهاء احتلال إسرائيل لجنوب البلاد ناهيك عن تأمين إعادة إعمار المناطق الشيعية اللبنانية المدمَّرة، أو تعويض أنواع الخدمات التي كان الشيعة يتلقّونها سابقًا من حزب الله، أو منحهم دورًا أكبر في السياسة الوطنية تؤدي فعليًا إلى تجريد الشيعة من حقوقهم السياسية. وإذا مضت إسرائيل في تنفيذ تهديداتها الأخيرة بغزو لبنان، فإن ذلك سيشكّل تهديدًا وجوديًا للمجتمع الشيعي في البلاد، وسيؤدي إلى تعبئته للمقاومة. ومع تبلور حكم سنيّ في سوريا، وممارسة الجيش الأميركي ضغوطًا على الميليشيات الشيعية في العراق، قد يتخذ شعور الحصار المفروض على الشيعة بُعدًا إقليميًا.

وإذا جرى تهميش الشيعة في جهود بناء الدولة، وفي المساعي الدبلوماسية، فمن المرجّح أن يعاودوا تبنّي السياسة الجماعاتية بوصفها استراتيجية للبقاء، بما يغذّي حالة أوسع من عدم الاستقرار. ومن دون أن يكون لإيران نصيب أو موقع في النظام الجديد، لن يكون بالإمكان احتواؤها بنجاح.

قفزة إيمانية

على الرغم من أن الشيعة لا يشكّلون سوى 15 إلى 20 في المئة من المسلمين في العالم، فإنهم يمثّلون ما يقارب نصف عدد المسلمين في الشرق الأوسط. ويشكّل المسلمون الشيعة غالبية السكان في البحرين وإيران والعراق، ويقتربون من الأغلبية في اليمن، كما أنهم أكبر جماعة دينية في لبنان. ومع ذلك، كان الطابع السائد للمنطقة طوال القرن العشرين سنّيًا. وقد أثارت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 شبح صعود النفوذ الشيعي ومعه، ردّة فعل سنّية مقابلة. وأسست التوترات الطائفية للحرب الإيرانية–العراقية الدامية بين عامي 1980 و1988، التي أفرزت روابط شيعية عابرة للحدود: إذ فرّ أبو مهدي المهندس، الذي أصبح لاحقًا قائد الميليشيات الشيعية في العراق، من بلاده خلال تلك الحرب، وقاتل إلى جانب نظرائه الإيرانيين ضد صدام حسين.

وتوسّعت هذه الروابط الشيعية العابرة للحدود إلى حد بعيد بعد أن أطاحت القوات الأميركية بالحكومة العراقية عام 2003، ما أدّى إلى إحياء الهوية الدينية، مع توافد أعداد متزايدة من الشيعة إلى المزارات المقدسة في إيران والعراق وسوريا، وكذلك إلى مراكز التعليم الديني الشيعي التاريخية في النجف، وقم. كما برزت قوى سياسية وعسكرية شيعية لسدّ الفراغات في السلطة داخل العراق. ففي منتصف العقد الأول من الألفية، استعان الحرس الثوري الإيراني بحلفاء عراقيين مثل المهندس، ومقاتلين من حزب الله اللبناني، لتنظيم مقاتلين شيعة عراقيين رفضوا نزع سلاحهم والانخراط في العملية السياسية الانتقالية التي قادتها الولايات المتحدة.

ومع اندلاع الربيع العربي عام 2011، توسّع النفوذ الإيراني والشيعي في العالم العربي أكثر، مع انزلاق سوريا واليمن إلى حروب أهلية. وكانت هذه الصراعات على السلطة ذات طابع طائفي حتمي: فحكام سوريا العلويون لم يكونوا يعرّفون أنفسهم إلا بشكل فضفاض ضمن التشيّع، إلا أن التهديد الذي شكّله الإسلام السنّي عليهم دفعهم إلى التحالف الوثيق مع كلّ من إيران وحزب الله. وفي عام 2013، نظّمت إيران وحزب الله مقاتلين شيعة من أفغانستان والعراق وباكستان لمساندة جيش الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الإسلاميين السنّة، الذين كانوا مدعومين من خصوم إيران السنّة في المنطقة. وفي العام التالي، انخرط فيلق الحرس الثوري الإيراني النخبوي مع الميليشيات الشيعية العراقية في شنّ حرب شاملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وقاد قائد فيلق الحرس الثوري، قاسم سليماني، تلك الحملة، وأصبح حضورُه مألوفًا في ساحات القتال في العراق وسوريا. وفي اليمن، أقام الحوثيون لذين يتبعون المذهب الزيدي، وهو فرع من التشيّع علاقات مشتركة مع إيران في مواجهة السنّة في البلاد.

وقد أيّد كبار المرجعيات الدينية الشيعية، والطبقة الوسطى الشيعية السائدة في مدن مثل بغداد وبيروت، والنخب الشيعية التي خشيت النزعة الدموية الطائفية لتنظيم داعش، الحرب على التنظيم. ما حوّلها إلى معركة شيعية واسعة النطاق. وفي حزيران/يونيو 2014 حين كانت داعش على أبواب بغداد أصدر أكبر مرجع ديني شيعي في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، الذي كان قد عارض دائمًا محاولات إيران حشد الشيعة في المنطقة ضمن حملات عسكرية، فتوى دينية دعا فيها الشباب العراقي إلى الانضمام إلى ميليشيات سليماني.

وقد أسهمت الانتصارات الميدانية على داعش في ترسيخ الحكم الشيعي في العراق، واستمرار قتال الحوثيين في اليمن، وبقاء نظام حزب البعث في سوريا. كما ساعدت على ربط المعركة التي تخوضها الميليشيات السنّية، مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، ضد إسرائيل، بالنضال العام لمحور المقاومة. وبدافع هذه النجاحات، استخدمت إيران هذا المحور لإسقاط نفوذها عبر البحر المتوسط والبحر الأحمر، مُنشئةً ما يُسمّى «حلقة من النار» حول إسرائيل.

تفاقم التصدّعات

غير أن الهزيمة الحاسمة لتنظيم داعش عام 2019 أوجدت الظروف لانحسار محور المقاومة. فقد تراجع بشكل حادّ حشد الشباب المسلمين الشيعة في الميليشيات المناهضة لداعش. وأصبح كبار رجال الدين الشيعة في المنطقة أكثر تردّدًا في الخلط بين الالتزام الديني والمشاركة في الجهود العسكرية الإيرانية. ومن موقعه في مدينة النجف العراقية، نأى السيستاني بنفسه علنًا عن حملات المحور، وأدان عنف الميليشيات، معتبرًا أن القوة الدائمة للشيعة في العراق تكمن في قدرتهم على بناء نفوذ داخل الدولة، وفي المجال السياسي.

وخلال الحملة ضد داعش، كانت الميليشيات الشيعية قد سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية، متجاوزةً نطاق انتشار الجيش والشرطة العراقيين في العديد من المدن، وفي أجزاء من بغداد، ومكتسبةً نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا مستقلًا عن الحكومة المركزية. لكن مصداقيتها بوصفها منقذة للشيعة وضامنة للاستقرار في العراق تضرّرت حين انخرطت في أعمال بلطجة، وقمعت احتجاجات مناهضة للفساد. وفي عام 2020، أسفرت غارة جوية أميركية عن مقتل كلّ من قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، في خسارة جديدة للمحور. وفي عام 2021، لم تحصد الأحزاب السياسية العراقية المرتبطة بإيران والميليشيات المدعومة منها سوى 17 مقعدًا في البرلمان، بعد أن كانت قد فازت بـ48 مقعدًا في عام 2018.

وبدا الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في البداية استعراضًا قويًا لقوة المحور. لكنّه في الواقع كشف عن تراجعه وسرّع وتيرته. فقد حاولت القوى الشيعية في أنحاء المنطقة حشد الدعم لصالح حماس. إلا أنه في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وجّهت إسرائيل ضربة قاصمة لحزب الله عبر تحويل معدات اتصالاته نفسها إلى قنابل، ما أدى إلى مقتل 42 شخصًا وتشويه آلاف من مسؤولي الحزب ومقاتليه، كما اغتالت عشرات من قادته وزعيمه الكاريزمي حسن نصر الله في غارة جوية. وبعد شهر من ذلك، انهار نظام الأسد في سوريا أمام تقدّم جيش من المقاتلين السنّة المدعومين من تركيا.

وعندما شنّت إسرائيل والولايات المتحدة هجومهما العسكري المباشر والعنيف على إيران في حزيران/يونيو، لم تهبّ وكلاء طهران الشيعة للدفاع عنها. وإذ اضطرت القيادة الإيرانية إلى توجيه اهتمامها إلى الداخل، لم ترَ فائدة في إطلاق نداءات عابرة للحدود، بل دعت الشعب الإيراني إلى الدفاع عن وطنه. وعلى نحو مماثل، ابتعد الحلفاء الشيعة في العراق ولبنان عن الخطاب القائم على هوية دينية عابرة للأوطان، وتبنّوا على نحو أكمل هوياتهم الخاصة…

إن القادة الذين أشرفوا على صعود الشيعة يغادرون المسرح.

فبدلًا من توجيه حلفائها الإقليميين، تبدو إيران اليوم وكأنها تسير على خطى هؤلاء الحلفاء. وما كان في السابق نظام نفوذ يقوم على مركز وأطراف، بات أقرب إلى اتحادٍ لمجموعات متقاربة فكريًا تتشارك الأهداف، لكنها تعمل باستقلالية. ففي العراق، تشجّع إيران وكلاءها على خلع بزّاتهم العسكرية وارتداء البدلات والانخراط في العملية السياسية. وفي لبنان، قد يقبل حزب الله نزع سلاحه تحت ضغط إسرائيل والولايات المتحدة لتجنّب حرب مع إسرائيل وحرب أهلية مع فصائل لبنانية أخرى. كما أن التغيّرات داخل إيران نفسها، ولا سيما تنامي النزعة القومية وتخفيف القيود الدينية، وعلى الأخص التساهل في تطبيق الحجاب تُقوّض ادعاء البلاد بقيادة روحية عابرة للحدود.

كما أن القادة الذين أشرفوا على صعود الشيعة ينسحبون بدورهم من المشهد. فالقادة العسكريون ورجال الدين الذين شاركوا في الثورة الإيرانية عام 1979 (والذين نجحوا في تفادي الاغتيال) يتقدّمون في السن. يبلغ المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، 86 عامًا. أما السيستاني، الذي أشرف على إحياء إقليمي للتديّن الشيعي تمحور حول المدن المقدسة في العراق، فيبلغ 95 عامًا، ويعاني اعتلال صحّي. ولطالما كانت النجف، وقم مقرين متنافسين للعلم الديني الشيعي، لكن خلال العقود التي ركّزت فيها إيران على بناء القوة العسكرية والسياسية، باتت النجف أكثر من قم (أو طهران) تمثّل المرجعية الدينية الشيعية. وخليفة السيستاني في العراق، لا خليفة خامنئي في إيران، هو من سيوجّه الشيعة في شؤون الإيمان.

مخاطر خفيّة

ومع ذلك، فإن تراجع القوة العسكرية الشيعية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط لا يعني أن الهوية الدينية للشيعة قد ضعف. فعلى الرغم من الخسائر السياسية والعسكرية، يتزايد عدد الشيعة الذين يؤدّون الزيارات الدينية إلى المدن المقدسة في العراق عامًا بعد عام. ففي آب/أغسطس، استقطبت ذكرى استشهاد الإمام الشيعي الثالث ما يُقدَّر بنحو 21 مليون زائر إلى مدينة كربلاء العراقية.

ومع تعثّر إيران وتزايد الضغوط على الميليشيات الشيعية لنزع سلاحها، يخشى الشيعة مستقبلًا من التهميش والعنف. فسوريا، التي كانت تمثّل حجر الزاوية في محور المقاومة، باتت اليوم تحت حكم قدامى مقاتلي تنظيم داعش وجماعات سنّية متشددة أخرى قاتلت حزب الله خلال الحرب الأهلية السورية. ويحظى النظام الجديد في دمشق بدعم القوى السنّية الرئيسية في المنطقة، تركيا والسعودية، ويسعى إلى إبرام صفقة مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، يقلق شيعة لبنان والعراق من احتمال أن تدعم دمشق السنّة في بلدانهم، بما يغيّر ميزان القوى على نحو يضرّ بمصالحهم.

وفي ظل شعورهم بالتهديد والحصار، قد يتجه الشيعة بصورة أكثر حسمًا نحو هوية جماعاتية. وقد بدأت بالفعل الأقليات الدرزية والعلوية في سوريا بمقاومة سلطة دمشق. ولمنع اندلاع حروب أهلية جديدة، وانهيار الدول، وعودة التطرّف أي الظروف نفسها التي أتاحت لإيران بناء محور المقاومة في المقام الأول ينبغي أن تركّز جهود بناء الدولة في لبنان وسوريا على ضمان الحقوق المتساوية للمكوّنات جميعها. فإذا ما أقصت بيروت ودمشق الأقليات، فإن الشيعة المهمّشين سيعودون مجددًا إلى طلب الدعم من إيران؛ ومع اندلاع الصراع، سيتبع ذلك الدعم الإيراني بالتدريب والتسليح والتمويل.

أما في العراق، حيث لا تزال العملية الدقيقة لتشكيل الحكومة والمفاوضات داخل البيت الشيعي مستمرة، فيجب تشجيع قيادة شيعية معتدلة. ويتطلّب ذلك إصلاحات دستورية لتفكيك شبكات الزبائنية التي يديرها مسلحون تحوّلوا إلى سياسيين وهو نظام لا يزال يمنحهم مقاعد في البرلمان والمجالس المحلية. وقد مارست السياسة الأميركية مؤخرًا ضغوطًا كبيرة على الحكومة العراقية للنأي بنفسها عن إيران. غير أن على واشنطن أن تتجنّب دفع بغداد إلى خيار حادّ من هذا النوع، لأن ذلك قد يضعف مكانة القادة الشيعة المعتدلين، ويقوّض محاولاتهم للحدّ من النفوذ المزعزع للمسلحين الذين أصبحوا سياسيين، ولتحييد العراق عن الصراع بين إيران وإسرائيل.

يخشى الشيعة مستقبلًا من التهميش والعنف.

وفي مختلف أنحاء المنطقة، يعتمد تفادي العودة إلى العنف على ضمان أن يرى الشيعة مستقبلًا سياسيًا لهم في بلدانهم دورًا وطنيًا يحلّ محلّ الالتزام بأيديولوجيا عابرة للحدود، إضافة إلى توفير فرص اقتصادية خارج مظلّة عطايا الميليشيات. ففي لبنان، على سبيل المثال، لن يؤدّي مجرّد نزع سلاح حزب الله وتفكيكه إلى تحقيق الاستقرار. فقد أدّت هذه المنظمة، على مدى عقود، دور الدولة بالنسبة إلى المجتمع الشيعي، إذ وفّرت الأمن والوظائف والخدمات الاجتماعية؛ ومع تراجع دورها اليوم، يجب أن تُتاح للشيعة وسائل أخرى للمشاركة في السياسة والاقتصاد في البلاد.

ويتعيّن على الحكومات اللبنانية والسورية والعراقية بمساعدة الولايات المتحدة والجيران العرب أن توفّر للشيعة وظائف من الطبقة الوسطى في القطاع الخاص للحدّ من اعتمادهم على العمل في القطاع العام الذي تسيطر عليه الجماعات المسلحة. في لبنان والعراق طبقات وسطى شيعية مهيّأة للاستفادة من الفرص الاقتصادية التي تتصوّرها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخليج للمنطقة بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية. ومن دون سبل للمشاركة الاقتصادية، قد ينجذب الشباب مجددًا إلى العمل المسلّح.

ومع قيام السعودية ودول خليجية أخرى باستثمارات لتشجيع قيام حكومات مركزية قوية في لبنان وسوريا قادرة على مقاومة النفوذ الإيراني، ينبغي ألا تسمح هذه الجهود بالتأثير سلبًا في مسار التطبيع مع إيران. فقد ساعد التطبيع في الحفاظ على استقرار الخليج، بينما انفجرت بقية أنحاء الشرق الأوسط بالحروب، ولضمان استمرار هذا الاستقرار، يتعيّن على الدول العربية أن تقرن خطط بناء الدولة برؤية اقتصادية تتيح أيضًا مستقبلًا للمناطق الشيعية في لبنان والعراق. وعلى السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تضمن استمرار وقف إطلاق النار القائم مع الحوثيين، وأن تواصل التقدّم الدبلوماسي نحو إنهاء الحرب الأهلية في اليمن نهائيًا. ولمنع عودة إيران للعب دور المفسد الإقليمي، يجب التخلّي عن الذهنية التي ترى الشيعة في أنحاء المنطقة أتباعًا لإيران، والتعامل معهم بوصفهم مواطنين متساوين.

إعادة الإعمار تحتاج إلى مصالحة

إذا كانت الولايات المتحدة، من جهتها، تريد إنهاء الصراع في الشرق الأوسط ورؤية عراق مزدهرًا مستقلًا عن السيطرة الإيرانية، فعليها أيضًا دمج الجماعات الشيعية في النظامين الوطني والإقليمي اللذين تتصوّرهما. ففي لبنان، يعني ذلك إقران السعي إلى نزع سلاح حزب الله بخطة واضحة لإعادة إعمار المناطق الشيعية وتمكين الشيعة سياسيًا. كما يجب على الولايات المتحدة أن تبذل كل ما في وسعها للحفاظ على وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل: فشيعة لبنان سيقاومون حتمًا أي غزو واحتلال إسرائيليين، كما فعلوا بين عامي 1982 و2000. ومن شأن تجدّد المقاومة أن يبعث حياة جديدة في ما تبقّى من محور المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى